كان ثامن المسلمين .. أسلم قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى دار الأرقم حيث كان يلتقي بأصحابه سرا ليحدثهم عن أمور دينهم ....
عرض سيدنا أبو بكر الصديق الإسلام عليه ،فلم يتردد لحضه ،وأعلن
إسلامه فورا.... كان من أثرى المسلمين ولكن ثراءه لم يمنع عنه أذى
المشركين فهاجر إلى الحبشه ثم عاد إلى مكه ليهاجر إلى الحبشه
الهجره الثانيه ... وعندما هاجر إلى المدينه ترك ماله كله وبدأ تجارته
من جديد ...آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع
فقال له سعد: أخي أنا أكثر أهل المدينه مالا فانظر شطر مالي فخذه
فأجابه عبد الرحمن : بارك الله لك في أهلك ومالك ... دلني على
السوق وبالفعل ذهب إلى السوق واشترى وباع حتى أصبح من
أغنى أغنياء المسلمين ..
وصلت ذات مره إلى المدينه قافله مكونه من سبع مائه بعير تحمل
البضائع كانت قافله ضخمه حتى ظنها الناس من بعيد إعصار لكثرة
ما أحدثته من غبار ...إلا أن عبدالرحمن بن عوف تذكر حيثا لرسول الله
إذ قال ذات مره : (يا ابن عوف إنك من الأغنياء .. وإنك ستدخل الجنه
حبوا فأقرض الله يطلق لك قدميك) فما كان منه رضي الله عنه إلاأن تبرع
بحمولة هذه القافله كلها في سبيل الله...
لم يكن ابن عوف أسير ماله فقد كان المال في نظره غاية لا وسيله ....
باع يوما أرضا بأربعين ألف دينارا ففرقها جميعا على أهله من بني
زهره وعلى أمهات المؤمنين وفقراء المسلمين وقدم ذات يوم خمس
مئة فرس لجيوش المسلمين ويوما آخر قدم ألفا وخمس مئة راحله
وعند موته أوصى بخمسين ألف دينار في سبيل الله حتى إن خليفة
المسلمين عثمان بن عفان أخذ نصيبه من هذا المال وكان أربع مئة
دينار وقال :(إن مال عبد الرحمن حلال صفو ؟ وإن الطعمة منه
عافية وبركه )..
وقد يكون السر في نجاح تجارته رزقه الحلال وكرمه في الصدقات
فقد كان يتحرى الحلال ويقرض الله قرضا حسنا ... حتى إنه كان يقال
(أهل المدينه جميعا شركاء لابن عوف في ماله ثلث يقرضهم
وثلث يقضي عنهم ديونهم وثلث يصلهم ويعطيهم)
ومع كل هذا الثراء كان بسيطا لا تعرفه إذا جلس مع خدمه يأكل
وكان كثير البكاء جيء له يوما بطعام الإفطار وكان صائما
فلما وقعت عليه عيناه بكى وقال:(استشهد مصعب بن عمير وهو خير مني
فكفن في بردة إن غطت رأسه بدت رجلاه وإن غطت رجلاه بدا رأسه)
ومع ذلك كله كان ابن عوف مجاهدا في سبيل الله لم يتخلف عن غزوة
فقد حضر بدرا وأحدا حتى إنه أصيب في أحد عشرين إصابة فأصبح
يعرج على إحدى ساقيه كما أنه فقد إحدى ثناياه فتركت أثرا واضحا
في نطقه وحديثه...
وكان ابن عوف رضي الله عنه لايحب السلطه ,فبعد وفاة سيدنا عمر بن الخطاب كان ابن عوف من السته أصحاب الشورى , وهم الذين عينهم سيدنا عمر ليختاروا الخليفه من بينهم بعد موته , ورأى الخمسه ان يكون ابن عوف هو الخليفه بعد سيدنا عمر, فقال لهم ابن عوف : " والله لأن تؤخذ مدية فتوضع في حلقي ثم ينفذ بها إلى الجانب الآخر أحب إلي من ذلك" ... فقال له الإمام علي : "لقد سمعت رسول الله يصفك بأنك أمين في أهل السماء , وأمين في اهل الارض " وطلب منه أن يختار واحدًا منهم ليكون خليفة المسلمين, فاختار عثمان بن عفان , وقبل الآخرون اختياره وفي السنة الثانية والثلاثين للهجرة انتقل عبدالرحمن بن عوف إلى الرفيق الأعلى ... وكانت السيدة عائشه قد عرضت عليه قبل وفاته أن يدفن إلى جانب رسول الله وأبي بكر وعمر , فأبى حياء أن يرقى إلى هذا المقام كما كان قد قطع عهدًا على نفسه أن يدفن بجانب عثمان بن مظعون ....
رحم الله عبدالرحمن بن عوف ورضي عنه وأرضاه ...