نصيحة تعينك بمشيئة الله على قيام الليل
قيام الليل سُنة مؤكدة , وقربة معظمة في سائر العام ,
فقد تواترت النصوص من الكتاب والسنة بالحث عليه ,
والتوجيه إليه ,
والترغيب فيه ,
ببيان عظم شأنه وجزالة الثواب عليه ,
وأنه شأن أولياء الله , وخاصة من عباده
الذين قال الله في مدحهم والثناء عليهم :
أَلَا إِنَّأَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
الَّذِين َآمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ
لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
[يونس، الآية: 64]
فقد مدح الله أهل الإيمان والتقوى , بجميل الخصال وجليل الأعمال ,
ومن أخص ذلك قيام الليل ,
قال تعالى : إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا
خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ
تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ
يَدْعُون َرَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ
فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوايَعْمَلُونَ
[السجدة، الآيات: 15-17]
ووصفهم في موضع آخر ,
بقوله : وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا
وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا
إلى أن قال
: أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا
خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا
[الفرقان، الآيات: 64-75]
وفي ذلك من التنبيه على
أنه من أسباب صرف عذاب جهنم ,
والفوز بالجنة ,
وما فيها من النعيم المقيم , وجوارالرب الكريم ,
جعلنا الله ممن فاز بذلك .
قال تعالى :
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ
[القمر، الآيتان: 54، 55]
وقد وصف المتقين في سورة الذاريات ,
بجملة صفات -
منها قيام الليل - , فازوا بها بفسيح الجنات ,
فقال سبحانه :
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ
إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ
[الذاريات، الآيات: 15-17]
فصلاة الليل
لها شأن عظيم في تثبيت الإيمان ,
والإعانة على جليل الأعمال , وما فيه صلاح الأحوال والمآل
قال تعالى : يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا إلى قوله :
إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًاإِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا
[المزمل،الآيات: 1-6]
وثبت في صحيح مسلم
عن النبي صلى الله عليه وسلم انه , قال :
أفضل الصلاة بعد المكتوبة - يعني الفريضة - صلاة الليل
وفي حديث عمرو بن عبسة قال صلى الله عليه وسلم :
أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر ,
فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن
ولأبي داود عنه - رضي الله عنه -
قال : أي الليل أسمع - يعني أحرى بإجابة الدعاء -
قال , صلى الله عليه وسلم :
جوف الليل الآخر فصل ما شئت ,
فإن الصلاة فيه مشهودة مكتوبة
وفي الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه -
أن رسول الله , صلى الله عليه وسلم ,
قال : ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا ,
حين يبقى ثلث الليل الآخر .
فيقول : من يدعوني فأستجيب له؟ !
من يسألني فأعطيه ؟ !
من يستغفرني فأغفر له ؟ !
وفي صحيح مسلم , عن جابر - رضي الله عنه -
أن رسول الله , صلى الله عليه وسلم , قال :
من الليل ساعة لايوافقها عبد مسلم يسأل الله خيرا
إلا أعطاه إياه,وهي كل ليلة
وفي صحيح البخاري عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -
عن النبي , صلى الله عليه وسلم ,
قال : من تعارمن الليل - يعني استيقظ يلهج بذكر الله -
فقال : لا إله إلا الله , وحده لا شريك له , له الملك , وله الحمد ,
وهو على كل شيء قدير . الحمد لله , وسبحان الله ,
ولا إله إلا الله , والله أكبر , ولا حول ولا قوة إلا بالله
ثم قال : اللهم ! اغفر لي , أودعا , استجيب له .
فإن توضأ وصلى قبلت صلاته
أخرج الإمام أحمد وغيره
عن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه -
قال : قال رسول الله , صلى الله عليه وسلم :
إن في الجنة غرفا , يرى ظاهرها من باطنها , وباطنها من ظاهرها ,
أعدها الله لمن ألان الكلام , وأطعم الطعام , وتابع الصيام ,
وصلى بالليل والناس نيام
وفي الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه -
قال : قال رسول الله , صلى الله عليه وسلم :
قال الله عز وجل : أعددت لعبادي الصالحين , ما لا عين رأت ,
ولا أذن سمعت , ولا خطر على قلب بشر
قال أبو هريرة اقرءوا إن شئتم :
فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
[السجدة، الآية: 17]
وجاء في صحيح , ما يفيد أن قيام الليل
من أسباب النجاة من الفتن , والسلامة من دخول النار.
ففي البخاري وغيره عن أم سلمة - رضي الله عنها -
أن النبي , صلى الله عليه وسلم , استيقظ ليلة فقال :
سبحان الله , ماذا أُنزل الليلة من الفتنة ؟ !
ماذا أنزل الليلة من الخزائن ؟ !
من يوقظ صواحب الحجرات ؟ !
وفي ذلك تنبيه على أثر الصلاة بالليل في الوقاية من الفتن .
وفي قصة رؤيا ابن عمر قال
: "فرأيت كأن ملكين أخذاني , فذهبا بي إلى النار ,
فإذا هي مطوية كطي البئر , وإذالها قرنان - يعني كقرني البئر -
وإذا فيها أناس قد عرفتهم , فجعلت أقول أعوذ بالله من النار ,
قال : فلقينا ملك آخر . فقال : لم ترع " فقصصتها على حفصة ,
فقصتها حفصةعلى النبي , صلى الله عليه وسلم ,
فقال : نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل ,
فكان عبد الله لا ينام من الليل إلا قليلا
عن رسول الله , صلى الله عليه وسلم , قال :
عليكم بقيام الليل , فإنه دأب الصالحين قبلكم ,
وقربة لكم إلى ربكم , ومكفرة للسيئات ,
ومنهاة عن الإثم فنلخص مما سبق
أن قيام الليل:
أ - من أسباب ولاية الله ومحبته .
ب - ومن أسباب ذهاب الخوف والحزن ,
وتوالي البشارات بألوان التكريم والأجر العظيم .
جـ - وأنه من سمات الصالحين , في كل زمان ومكان .
د - وهو من أعظم الأمور المعينة على مصالح الدنيا والآخرة
ومن أسباب تحصيلها والفوز بأعلى مطالبها .
هـ - وأن صلاة الليل أفضل الصلاة بعد الفريضة
وقربة إلى الرب ومكفرة للسيئات .
و - وأنه من أسباب إجابة الدعاء , والفوز بالمطلوب المحبوب
والسلامة من المكروه المرهوب ومغفرة سائر الذنوب .
ز- وأنه نجاة من الفتن , وعصمة من الهلكة , ومنهاة عن الإثم .
حـ - وأنه من موجبات النجاة من النار , والفوز بأعالي الجنان.
1- فضل صلاة الوتر:
إن صلاة الوتر فضلها عظيم،
وأعظم ما يدل على ذلك هو:-
أنه صلى الله عليه وسلم
لم يكن يدعها في حضر ولا سفر،
وهذا دليل واضح على أهميتها.
2- حكم صلاة الوتر:
الوتر سنة مؤكدة.
3- وقت صلاةالوتر:
أجمع العلماء على أن وقت الوتر
لا يدخل إلا بعد العشاء، وأنه يمتد إلى الفجر.
فعن أبي بصرة رضي الله عنه:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
" إن الله زادكم صلاة فصلوها بين العشاء والفجر"
رواه أحمد.
4- أفضل وقت لصلاة الوتر:
الأفضل تأخير فعلها إلى آخر الليل
وذلك لمن وثق باستيقاظه لحديث جابررضي الله عنه
قال: قال رسول الله عليه وسلم: "
من خاف أن لا يقوم آخر الليل ،فليوتر أوله،
ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل،
فإن صلاة آخر الليل مشهودة ،وذلك أفضل "
أخرجه مسلم.
5- عدد ركعات الوتر:
ليس للوتر ركعات معينة،
وإنما أقله ركعة، لقوله صلى الله عليه وسلم:
" الوتر ركعة من آخر الليل "
رواه مسلم.
ولا يكره الوتر بواحدة لقوله صلى الله عليه وسلم:
" ومن أحب أن يوتربواحدة، فليفعل "
أخرجه أبو داود
وأفضل الوتر إحدى عشرة ركعة يصليها مثنى مثنى
كصلاة الفجر
ويوتر بواحدة
لقول عائشة رضي الله عنها: "
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة "
وفي لفظ " يسلم بين كل ركعتين ويوتربواحدة"
أخرجه مسلم.
ويصح أكثر من ثلاث عشرة ركعة
ولكن يختمهن بوتر كما جاء في الحديث:
" صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشيت الصبح أوتر بواحدة"
أخرجه البخاري.
- القراءة في الوتر:
يسن للمصلي أن يقرأ في
الشفع وهي الركعتين التي قبل الوتر
في الركعة الأولى
بـ { سبح اسم ربك الأعلى }
وفي الركعة الثانية
بـ { قل ياأيها الكافرون }
ثم يسلم
وفي الركعة الثالثة الوتر يقرأ
بـ { قل هو الله أحد }
لحديث عائشة رضي الله عنها قالت :
" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقرأ في الركعة الأولى
بـ { سبح اسم ربك الأعلى }
وفي الثانية
بـ { قل ياأيها الكافرون }
وفي الثالثة
بـ { قل هو الله أحد } والمعوذتين
" أخرجه الترمذي.
7- القنوت في الوتر:
القنوت في الوتر مستحب وليس بواجب،والدليل على مشروعيته:
أنه صلى الله عليه وسلم كان يقنت في ركعة الوتر ولم يفعله إلاّ قليلاً.
ولما روي عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال:
" علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر:
اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت،
وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، إنك تقضي ولايقضى عليك،
إنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت "
أخرجه أبو داود.
8- محل القنوت:
القنوت في الوتر يكون في الركعة الأخيرة من الوتر
بعد الفراغ من القراءة وقبل الركوع،
كمايصح بعد الرفع من الركوع
وكلها قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم.
9- قضاء من فاته الوتر:
ذهب جمهور من العلماء إلى مشروعية قضاء الوتر.
فقد جاء عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" من نام عن وتره أو نسيه فليصله إذا ذكره "
أخرجه أبو داود.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
" إذا أصبح أحدكم ولم يوتر فليوتر "
أخرجهالحاكم.
والسنة قضاؤها ضحى بعد ارتفاع الشمس
وقبل وقوفها, شفعاً لا وتراً،
فإذا كانت عادتك الإيتار بثلاث ركعات في الليل
فنمت عنها أو نسيتها شرع لك أن تصليها
نهاراً أربع ركعات في تسليمتين،
وإذا كانت عادتك الإيتار بخمس ركعات في الليل
فنمت عنها أو نسيتها شرع لك
أن تصلي ست ركعات في النهار
في ثلاث تسليمات،
أي انه لايوتر اثناء النهار
بل يزيد ركعة على عدد الركعات التي عادته يصليها
وهكذا الحكم فيما هو أكثر من ذلك.
10- حكم ترك صلاة الوتر:
فقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن ذلك فقال:
" الحمد لله، الوتر سنة باتفاق المسلمين،
ومن أصرعلى تركه فإنه ترد شهادته،
والوتر أوكد من سنة الظهر والمغرب والعشاء،
والوتر أفضل الصلاة من جميع تطوعات النهار، كصلاة الضحى،
بل أفضل الصلاة بعد المكتوبة صلاة الليل،
وأوكد ذلك الوتر وركعتا الفجر،
والله أعلم ".