من معالم المدينة المنورة
بقيع الغرقد | زِيارَةُ الأَئِمّةِ(ع) | المدفونون في البقيع | ومن بين الصحابة والرواة والعلماء | أُحد
مشربة أُمّ إبراهيم | قبر النبيّ هارون (ع) | المهراس | الزبية | كهف بني حرام
بقيع الغرقد
البقيع في اللغة هي الأرض الرخوة الخالية من الحجارة، والغرقد هو نبات (العوسج) إذا كبر، قال الأصمعي: قطعت غرقدات في هذا الموضع حين دفن فيه عثمان بن مظعون، فسمي بقيع الغرقد لهذا.
وقال الخليل: البقيع من الأرض موضع فيه أروم وبه سمي بقيع الغـرقد، والغرقد، شجـر كان ينبت هناك.
ويعد بقيع الغرقد أكرم بقعة في المدينة بعد الحرم والمسجد النبوي الشريف، وهو المقبرة الرئيسة للمدينة، ويقع في الجهة الجنوبية الشرقية من المسجد النبوي، وتبلغ مساحته الحالية مئة وثمانين ألف متر مربع.
وكانت هذه المقبرة أرضاً زراعية يكثر بها شجر الغرقد. حتى إذا توفي الصحابي الجليل عثمان بن مظعون في الثالث من شعبان عام 2 هـ، أمر النبي (صلى الله عليه وآله) بدفنه في تلك.
كان النبي (صلى الله عليه وآله) دائم الزيارة لها، ويترحم على من فيها.
والبقيع ضمن الحرم النبوي. ويكفيها فضلاً وشرفاً أنها مأوى الأجساد الطاهرة لأربعة من الأئمة المعصومين عليهم أفضل الصلاة والسلام، وأمهم الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السَّلام) على قول، ومن سنذكر من أهل بيت النبوة والصحابة الكرام والتابعين والشهداء والعلماء وسائر المؤمنين.
زِيارَةُ الأَئِمّةِ(عليهم السلام)
ثَوابُ زِيارَتِهِم
- رسولاللّه (صلى الله عليه وآله) : مَن زارَني، أو زارَ أحَدًا مِن ذُرّيّتي، زُرتُهُ يَومَ القِيامَةِ، فَأَنقَذتُهُ مِن أهوالِها(1).
- رسولاللّه (صلى الله عليه وآله) : أمّا الحَسَنُ... مَن زارَهُ في بَقيعِهِ ثَبَتَت قَدَمُهُ عَلَى الصّراطِ، يَومَ تَزِلّ فيهِ الأَقدامُ(2).
- زَيدٌ الشّحّام: قُلتُ لِأَبي عَبدِاللّهِ(عليه السلام) : ما لِمَن زارَ أحَدًا مِنكُم؟
قالَ: كَمَن زارَ رَسولَاللّهِ(صلى الله عليه وآله) (3).
- الإمام الصادق (عليه السلام) : مَن زارَني غُفِرَت لَهُ ذُنوبُهُ ولَم يَمُت فَقيرًا(4).
أدَبُ زِيارَةِ قُبورِ الأَئِمّةِ بِالبَقيع
- أحدهما (عليه السلام) : إذا أتَيتَ قُبورَ الأَئِمّةِ بِالبَقيعِ، فَقِف عِندَهُم واجعَلِ القِبلَةَ خَلفَكَ والقَبرَ بَينَ يَدَيكَ، ثُمّ تَقولُ: .....الحديث(5).
ـــــــــــــــــــــ
(1) كامل الزيارات: 41/4.
(2) أمالي الصدوق: 176 و 177/178.
(3) الكافي: 4/579/1.
(4)التهذيب: 6/78/153.
(5) كامل الزيارات: 118/130.
ثَوابُ زِيارَةُ السيدة فاطِمَةَ الزهراء (صَلَواتُ اللّهِ عَلَيها)
- يَزيدُ بنُ عَبدِالمَلِكِ عَن أبيهِ عَن جَدّهِ: دَخَلتُ عَلى فاطِمَةَ(عليها السلام )، فَبَدَأَتني بِالسّلامِ، ثُمّ قالَت: ما غَدا بِكَ؟ قُلتُ: طَلَبُ البَرَكَةِ.
قالَت: أخبَرَني أبي وهُوَ ذا هُوَ أنّهُ مَن سَلّمَ عَلَيهِ وعَلَيّ ثَلاثَةَ أيّامٍ أوجَبَ اللّهُ لَهُ الجَنّةَ.قُلتُ لَها: في حَياتِهِ وحَياتِكِ؟ قالَت: نَعَم، وبَعدَ مَوتِنا(1).
- إبراهيمُ بنُ مُحَمّدِ بنِ عيسَى بنِ مُحَمّدٍ العُرَيضِيّ قالَ: حَدّثَنا أبوجَعفَرٍ(عليه السلام ) ذاتَ يَومٍ، قالَ: إذا صِرتَ إلى قَبرِ جَدّتِكَ فاطِمَةَ(عليها السلام ) فَقُل:
«يا مُمتَحَنَةُ امتَحَنَكِ اللّهُ الّذي خَلَقَكِ قَبلَ أن يَخلُقَكِ، فَوَجَدَكِ لِمَا امتَحَنَكِ صابِرَةً، وزَعَمنا أنّا لَكِ أولِياءُ ومُصَدّقونَ وصابِرونَ لِكُلّ ما أتانا بِهِ أبوكِ (صَلّى اللّهُ عَلَيهِ وآلِهِ )وأتانا بِهِ وَصِيّهُ (صَلّى اللّهُ عَلَيهِ وآلِهِ )، فَإِنّا نَسأَلُكِ إن كُنّا صَدّقناكِ إلّا ألحَقتِنا بِتَصديقِنا لَهُما بِالبُشرى، لِنُبَشّرَ أنفُسَنا بِأَنّا قَد طَهُرنا بِوَلايَتِكِ»(2).
- الإمام الصادق (عليه السلام ): قالَ رَسولُاللّهِ(صَلّى اللّهُ عَلَيهِ وآلِهِ ): «ما بَينَ قَبري ومِنبَري رَوضَةٌ مِن رِياضِ الجَنّةِ، ومِنبَري عَلى تُرعَةٍ مِن تُرَعِ الجَنّةِ»؛ لِأَنّ قَبرَ فاطِمَةَ (صَلَواتُ اللّهِ عَلَيها) بَينَ قَبرِهِ ومِنبَرِهِ، وقَبرُها رَوضَةٌ مِن رِياضِ الجَنّةِ، وإلَيهِ تُرعَةٌ مِن تُرَعِ الجَنّةِ(3).
- وفي رواية اخرى عن أحمَدُ بنُ مُحَمّدِ بنِ أبي نَصر: سَأَلتُ الرّضا(عليه السلام ) عَن قَبرِ فاطِمَةَ(عليها السلام )، فَقالَ: دُفِنَت في بَيتِها، فَلَمّا زادَت بَنو اُمَيّةَ فِي المَسجِدِ صارَت فِي المَسجِدِ(4).
يستحب مؤكداً بعد زيارة النبي(صَلّى اللّهُ عَلَيهِ وآلِهِ ) زيارة بضعته الطاهرة فاطمة سيدة نساء العالمين(عليها السلام ) ، والاولى أن تزار في بيتها، وفي الروضة، وفي البقيع، لمكان الاختلاف في دفنها، وإن كان المروي صحيحاً أنها دفنت في بيتها، إلاَّ أنه لما زاد بنو أُمية في المسجد صار قبرها فيه(5).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التهذيب: 6/9/18.
(2). التهذيب: 6/10/19.
(3)معاني الأخبار: 267/1.
(4) الكافي: 1/461/9.
(5) مناسك الحج : سماحة المرجع الديني الكبير السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم (دام ظله): الفائدة الثالثة في آداب المدينة المنورة من الخاتمة.
المدفونون في البقيع:
دفن في هذه المقبرة العظيمة جمع من ذرية النبي (صلى الله عليه وآله) وأزواجه وأصحابه وكبار التابعين والصالحين والعلماء. وإليك أسماء بعض منهم:
أولاً: قبور الأئمة
وهم الإمام الحسن المجتبى والامام زين العابدين والإمام محمد بن علي الباقر والإمام جعفر بن محمد الصادق (صلوات الله عليهم). وتقع كلها في الجهة الجنوبية مع ميل للمشرق.
وبالقرب منهم قبر العباس بن عبد المطلب عم النبي (صلى الله عليه وآله) وقبر السيدة فاطمة بنت أسد والدة أمير المؤمنين (عليه السَّلام) على قول، وهذان القبران متصلان بقبور الأئمة (عليهم السَّلام)، وينسب البعض قبر فاطمة بنت أسد إلى فاطمة الزهراء (عليها السَّلام)، إلاّ أن الشيخ الطوسي (قدس سره) ذكر في كتابه التهذيب: (وقد روي في بعض الأخبار أنهم ــ أي الأئمة ــ أنزلوا على جدتهم فاطمة بنت أسد..) التهذيب ج 6 باب 22 ص 78.
ثانياً: قبور بنات النبي (صلى الله عليه وآله):
وهن بناته أو ربيباته زينب وأم كلثوم ورقية.
ثالثاً: قبورٌ ثلاثة تقع شمال غرب مراقد الأئمة (عليهم السَّلام):
وهي لعمتي النبي (صلى الله عليه وآله) صفية وعاتكة بالإضافة إلى السيدة أم البنين فاطمة بنت حزام الكلابية (رضي الله عنها).
رابعاً: سائر القبور:
وهي لزوجات النبي (صلى الله عليه وآله) ما عدا ميمونة وخديجة ثم لعبد الله بن جعفر بن أبي طالب زوج السيدة زينب (عليها السَّلام)، على القول بأنه مدفون بالمدينة، وبقربه قبر عقيل بن أبي طالب وسفيان بن الحارث بن عبد المطلب، ثم قبر إبراهيم ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعثمان بن مظعون، وقبور بعض شهداء أحد والحرة وقبر السيدة حليمة السعدية مرضعة النبي (صلى الله عليه وآله)، وقبر إسماعيل ابن الإمام جعفر الصادق (عليه السَّلام). وقد تم تغيير موضع قبر إسماعيل ابن الإمام الصادق (عليه السَّلام) الذي كان يقع إلى الغرب من مرقد الأئمة الأطهار (عليهم السَّلام)، وسبب ذلك ما حدث قبل عدة سنوات حيت أرادت السلطات عام 1395 هـ توسعة شارع أبي ذر الواقع بين المسجد النبوي والبقيع، فنقلت قبر السيد إسماعيل كالمدفون للتو غضاً طرياً على قول بعض من عاش تلك الأحداث، وموقع ذلك الجثمان الطاهر حالياً إلى الجهة الشمالية الشرقية من البقيع بالغرب من القبر المنسوب لحليمة السعدية والذي يُنسب أيضاً إلى السيدة فاطمة بنت أسد وبقربها الصحابيان الجليلان أبو سعيد الخدري وسعد بن معاذ.
ومن أهل بيت النبوة المدفونين في البقيع ولا يُعلم بالتحديد مكان دفنهم:
محمد بن علي بن أبي طالب (ابن الحنفية) وعمر بن علي بن أبي طالب وحميدة ورقية ابنتا الإمام علي (عليه السَّلام)، والحسن المثنى وزيد وجعفر أبناء الإمام الحسن المجتبى (عليه السَّلام)، وفاطمة وسكينة ابنتا الإمام الحسين (عليه السَّلام)، وعمر الأشرف وبعد الله والحسين الأكبر والحسين الاصغر أبناء الإمام السجاد (عليه السَّلام). وابراهيم وعبد الله وزينب وأم سلمة أبناء الإمام الباقر (عليه السَّلام)، واسحاق وعبد الله الأفطح ابني الإمام الصادق (عليه السَّلام)، ثم الحسن بن الحسن المجتبى (عليه السَّلام) وغيرهم كثير.
ومن بين الصحابة والرواة والعلماء:
المقداد بن الأسود، وخالد بن سعيد الأموي، وخزيمة ذو الشهادتين، وجابر الأنصاري، وعبد الله بن مسعود، وابي بن كعب وآخرون.
قال السمهودي (وفاء الوفاء: 3: 916، المتوفى عام 911 هـ )عن البقيع: (... وقد بنى عليها مشاهد، منها مشهد على يمينك إذا خرجت من باب البقيع قبل المشهد المنسوب لعقيل بن أبي طالب وأمهات المؤمنين، تحوي العباس بن عبد المطلب عم الرسول (صلى الله عليه وآله)، والحسن بن علي ومن تقدم ذكره معه (يقصد بقية الأئمة (عليهم السَّلام)) وعليهم قبة شامخة في الهواء... وقبر العباس وقبر الحسن مرتفعان من الأرض، متسعان مغشيان بألواح ملصقة أبدع الإلصاق، مصفحة بصفائح الصفر، مكوكبة بمسامير على أبدع صفة وأجمل منظر... ومنها مشهد في قبلة المشهد المنسوب لعقيل متصل به، قال المطري: يقال أن فيه قبور أزواج رسول الله (صلى الله عليه وآله)... ومنها مشهد عقيل بن أبي طالب... ومعه في القبر أخيه عبد الله الجواد ابن جعفر الطيار... ومنها روضة بقرب مشهد عقيل، يقال أن فيها ثلاثة من أولاد النبي (صلى الله عليه وآله)... ومنها مشهد سيدنا إبراهيم بن سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله)... قال المجد: وموضع تربته يعرف ببيت الحزن إنما هو الموضع المعروف بمسجد فاطمة في قبلة مشهد الحسن والعباس... وفيه قبرها على أحد الأقوال كما قدمناه، وأظنه في موضع بيت علي بن أبي طالب الذي كان أتخذه بالبقيع، وفيه اليوم هيئة قبور... ومنها مشهد صفية بنت عبد المطلب، ومنها مشهد فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السَّلام) بأقصى البقيع، ومنها مشهد إسماعيل بن جعفر الصادق وهو كبير يقابل مشهد العباس في الغرب.. ويقال أن عرصة هذا المشهد وما حوله من جهة الشمال إلى الباب كانت دار زين العابدين، وبجانب المشهد الغربي مسجد صغير مهجور يقال أنه مسجد زين العابدين وأن بئره يتداوى بها، ويقال أن ابنه جعفر الباقر سقط بها وهو صغير، وزين العابدين يصلي فلم يقطع صلاته...)(2).
وقد مرت على البقيع فترتان هدمت فيها قبوره وضرائحه وقبابه:
الأولى: منهما يصفها الرحالة السويسري (بورخارت) الذي ادعى الإسلام وسمى نفسه عبد الله حيث حج سنة 1815م، وكان من بين ما قاله عن مقبرة البقيع: (... وتبدو المقبرة حقيرة جداً. لا تليق بقدسية الشخصيات المدفونة فيها، وقد تكون أقذر وأتعس من أي مقبرة موجودة في المدن الأخرى التي تضاهي المدينة المنورة في حجمها... فالموقع بأجمعه عبارة عن أكوام من التراب المبعثر وحفر عريضة ومزابل (نقلاً عن كتاب جولات في بلاد العرب لمؤلفه الرحالة جون لويس بورخات).
والثانية: يصفها الرحالة (رتر) حيث زار البقيع عام 1925م أي بعد هدمه بعام واحد فيقول: (حينما دخلت إليه وجدت منظره كأنه منظر بلدة قد خربت عن آخرها، فلم يكن في أنحاء المقبرة كلها ما يمكن أن يشاهد سوى أحجار مبعثرة وأكوام صغيرة من التراب لا حدود لها، وقطع من الخشب مع كتل كثيرة من الحجر والآجر المنكسر فخربها كلها... لقد هدمت واختفت عن الأنظار القباب البيضاء التي كانت تدل على قبور آل البيت النبوي في السابق... وأصاب القبور الأخرى نفس المصير، فسحقت وهشمت) (الخليلي: موسوعة العتبات المقدسة ـ قسم المدينة المنورة :339).
أُحد
جبل مشهور بالقرب من المدينة المنورة وعلى بعد 4 كم منها، وقيل سمي بذلك لتوحده وانقطاعه عن جبال أُخر في تلك المنطقة، وكانت بالقرب منه معركة أُحد المشهورة في منتصف شوال من عام 3 هـ، حيث خرج مشركو مكة وتعدادهم قرابة 3000 مقاتل نحو المدينة المنورة للأخذ بثأر يوم بدر، ولما تلقى المسلمون الهزيمة في هذه المعركة وفقدوا جمعاً من خيرة المقاتلين من أمثال حمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير وعبد الله الأنصاري وعمرو بن الجموح ومبشر بن عبد المنذر وغيرهم، فإنهم دفنوا موتاهم في تلك البقعة من الأرض، ونُقل بعضهم إلى البقيع، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلَّم) يأتي قبور الشهداء كل حول فيقول: (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) (الرعد:24)، كما كانت مولاتنا الزهراء (عليها السَّلام) تأتيهم بين اليومين والثلاثة فتصلي هناك وتدعو وتبكي حتى توفيت (سلامُ الله عليها).
وبعد 46 سنة من المعركة قام معاوية بن أبي سفيان بإصدار أمر يحفر عين بالقرب من قبور الشهداء بأُحدن ففاضت المياه وانسابت على القبور وصارت تغمرها وتحرث الأرض، فأستصرخ البعض بأهل المدينة أن يهبوا لإنقاذ المقبرة وأبدان الشهداء، واجتمع الناس وبدؤوا بالحفر وأخرجوا الأجساد الطاهرة فوجدوها طرية على النحو الذي دفنت بها، فكانت تتثنى أطرافهم لليونة أجسادهم كأنهم نيام، وأصابت مسحاة قدم حمزة فانبعث الدم من جسده الطاهرة، وفاح ريح المسك.
وقد أمرت أم الخليفة الناصر لدين الله عام570هـ ببناء مشهد على قبر حمزة، ويصفه ابن النجارـ على ما رواه السمهودي ـ بقوله: (... مشهد سيدنا حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلَّم) ورضي الله عنه تعالى... وعليه قبة عالية حسنة متقنة وبابه مصفح كله بالحديد، وجلعت على قبره ملبناً من ساج وحوله حصباء، وباب المشهد من حديد يفتح كل خميس، وقريب منه مسجد يذكر أنه موضع قتله) ثم يعقب السمهودي إذ يقول: (وأما قبر حمزة فإنه اليوم مبني مجصص بالقصة لا خشب عليه، وفي أعلااه من ناحية رأسه حجر فيه بعد البسلمة: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) (التوبة:18)، هذا مصرع حمزة بن عبد المطلب (عليه السَّلام)، ومصلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلَّم)...) (السمهودي: وفاء الوفاء: ج 3 ص 921 ــ 922).
وقبر حمزة اليوم عبارة عن أرض جرداء مسوَّرة في وسطه قبران ظاهرا محددان الشرقي منهما يُنسب لحمزة، والغربي لمصعب بن عمير وعبد الله بن جحش ابن عمة النبي وأخو زوجته، ومن خلفهما مجموعة قبور محددة تدل على قبور جمع من الشهداء.
والى الجنوب من قبور شهداء أُحد يقع مرتفع صغير يُعرف بجبل عينين أو جبل الرماة، وكان على هذا الجبل ومن حوله مجموعة من المساجد كل منها يدل على حادثة معينة، فمسجد يحدد موقع مصرع حمزة ويعرف بمسجد المصرع أو العسكر ويقع على الطرف الشرقي لجبل عينين، وآخر ملاصق لجبل أحد يحدد موضع صلاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلَّم) بعد انتهاء القتال ويعرف بمسجد جبل أحد، وثالث يحدد الموضع الذي كُسرت فيه ثنايا النبي (صلى الله عليه وآله وسلَّم) وشُجَّ في وجهه الشريف ويُعرف بمسجد الثنايا.
زِيارَةُ قُبورِ الشّهَداء في احد
- الإمام الصادق (عليه السلام) : مِنَ المَشاهِدِ فِي المَدينَةِ الّتي يَنبَغي أن يُؤتى إلَيها وتُشاهَدَ ويُصَلّى فيها وتُعاهَدَ... قَبرُ حَمزَةَ، وقُبورُ الشّهَداءِ(1).
– وعنه (عليه السلام) : بَلَغَنا أنّ النّبِيّ(صلى الله عليه وآله) كانَ إذا أتى قُبورَ الشّهَداءِ قالَ:«السّلامُ عَلَيكُم بِما صَبَرتُم فَنِعمَ عُقبَى لدّارِ»(2).
3 -وعنه (عليه السلام) : إنّ فاطِمَةَ(عليها السلام) كانَت تَأتي قُبورَ الشّهَداءِ في كُلّ غَداةِ سَبتٍ، فَتَأتي قَبرَ حَمزَةَ وتَتَرَحّمُ عَلَيهِ وتَستَغفِرُ لَهُ(3).
5- وعنه (عليه السلام) : إذا قَضَيتَ هذَا الجانِبَ (أي زِيارَةَ مَساجِدِ المَدينَةِ)أتَيتَ جانِبَ اُحُدٍ، فَبَدَأتَ بِالمَسجِدِ الّذي دونَ الحَرّةِ فَصَلّيتَ فيهِ، ثُمّ مَرَرتَ بِقَبرِ حَمزَةَ ابنِ عَبدِالمُطّلِبِ فَسَلّمتَ عَلَيهِ، ثُمّ مَرَرتَ بِقُبورِ الشّهَداءِ فَقُمتَ عِندَهُم فَقُلتَ:
«السّلامُ عَلَيكُم يا أهلَ الدّيارِ، أنتُم لَنا فَرَطٌ وإنّا بِكُم لاحِقونَ».
ثُمّ تَأتِي المَسجِدَ الّذي كانَ فِي المَكانِ الواسِعِ، إلى جَنبِ الجَبَلِ، عَن يَمينِكَ حينَ تَدخُلُ اُحُدًا فَتُصَلّي فيهِ، فَعِندَهُ خَرَجَ النّبِيّ(صلى الله عليه وآله) إلى اُحُدٍ حينَ لَقِيَ المُشرِكينَ، فَلَم يَبرَحوا حَتّى حَضَرَتِ الصّلاةُ فَصَلّى فيهِ، ثُمّ مُرّ أيضًا حَتّى تَرجِعَ فَتُصَلّيَ عِندَ قُبورِ الشّهَداءِ ما كَتَبَ اللّهُ لَكَ...(4).
ـــــــــــــــــ
(1) دعائم الإسلام: 1/296.
(2)الكافي: 4/560/1.
(3) التهذيب: 1/465/168.
(4) الكافي: 4/560/2.
ضريح عبدالله بن عبدالمطلب
يعدُّ ضريح عبدالله بن عبدالمطّلب ـ والد الرّسول الكريم(صلى الله عليه وآله) ـ من الآثار المهمة والمعروفة في المدينة المنورة ، التي تقع خارج البقيع، حتى عام (1976م) فتمّت إزالته عند توسيع المسجد النبويّ.
ويقع ــ وفق ما جاء في بعض الكتب ــ في سوق (الطوال) في امتداد باب السلام، وكان يسمى الشارع الذي يقع عليه المشهد بشارع (العينية). فهو قريب من مسجد الغمامة، والمسافة بينهما 100م تقريباً في الجهة الشمالية الشرقية من المسجد.
دار النّابغة مدفنِ عبدالله بن عبدالمطلب
دار النابغة لرجل من بني النّجار في المدينة في الطرف الغربي لمسجد النبيّ(صلى الله عليه وآله) .
وقد نزل عبدالله في المدينة عند هذه القبيلة أثناء رجوعه من رحلة الى الشام، و مرض هناك وتوفي فدفن في تلك الدار.
وبسبب زيارة النبي(صلى الله عليه وآله) لتلك الدار في الهجرة ، وصلاته عند قبر والده في بعض الأحيان ، دُعيت تلك الدار بـ «مسجد دار النابغة» أيضاً . نقل ابن شبّة من خلال عدّة روايات أنَّ من بين الأماكن والبقاع ، التي زارها النبيّ(صلى الله عليه وآله) وصلّى فيها هي دار النابغة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
للتوسع
الطبقات لابن سعد ـ تاريخ المدينة لابن شبّة ـ الكامل في التاريخ لابن الاثير ـ دلائل النبوة لابي نعيم ـ
صفة الصفوة لابن الجوزي ـ الانوار البهية في تواريخ الحجج الالهية للشيخ عباس القمي.
مشربة أُمّ إبراهيم
مكان هذه المشربة على امتداد شارع العوالي بعد مستشفى الزهراء الخاصّ، ثمّ اتّباع الشارع الأيسر المتّجه إلى مستشفى المدينة الوطني، وتبعد عن مستشفى الزهراء بمسافة تقدّر بسبعمائة متر، ويمكن للقادم من مسجد الفُقَير إلى العوالي الوصول إليها باتّخاذ الشارع الأيمن.
وموقعها مقابل باب سور ضخم، مبنيّ بالطوب الأحمر، كُتبت عليه عبارة (انتاج الميمني للطوب الأحمر)، وباب المشربة أخضر اللون، ويمكن من خلاله رؤية الربوة المرتفعة الواقعة في الوسط، والتي هي أصل مكان المشربة. وكانت عبارة عن غرفة مبنيّة من الحجر، وفي أسفلها سلالم توصل إلى بئر فيه ماء، وقد دخلتُ الغرفة، وصلّيتُ فيها عام 1987م.
وقد أُزيلت الغرفة قبل ست سنوات تقريباً، وأُبدل الباب الخشبي القديم بباب حديدي، ويصعب الدخول إليها في الوقت الحاضر إلاّ لأهل تلك المحلّة; لدفن بعض الموتى هناك.
وأصل المشربة أحد بساتين مخيريق بن النضير، التي أوصى به وبغيره من أملاكه للنبيّ (صلى الله عليه وآله) بعد اشتراكه في غزوة أحد، وقتله فيها(1)، جاء في سيرة ابن هشام(2) (قال ابن إسحاق: وكان ممّن قتل يوم أحد مخيريق: وكان أحد بني ثعلبة بن الغطيون قال: لمّا كان يوم أحد، قال: يا معشر اليهود، والله لقد علمتم أنّ نصر محمّد عليكم لحق، قالوا: إنّ اليوم يوم السبت، قال: لا سبت لكم، فأخذ سيفه وعدّته، وقال: إنْ أُصبت فمالي لمحمّد يصنع فيه ما شاء; ثمّ غدا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقاتل معه حتّى قُتل، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ـ فيما بلغنا ـ مخيريق خير يهود).
وكانت السيدة مارية القبطية ـ رضي الله عنها ـ تسكن ذلك البستان، وفيه ولدت إبراهيم ابن النبيّ (صلى الله عليه وآله)، جاء في الدُرّ الثمين(3) (وقد صلّى النبيّ (صلى الله عليه وآله) في مشربة أُمّ إبراهيم في بعض زياراته لجاريته وسريته وأُمّ ولده (ماريا القبطية) وبُني في مكان صلاته مسجد في أيام عمر بن عبد العزيز والياً على المدينة).
وقيل(4): إنّ سبب تسميتها بمشربة أُمّ إبراهيم هو تعلقّ السيدة ماريا القبطية بخشبة من خشب تلك المشربة حين ضربها المخاض وقت ولادة إبراهيم.
وكان موقعها يُسمّى قديماً بالدشت أو الدشيت، وهو بين نخل تُعرف للأشراف القواسم، وهي نسبة إلى بني قاسم بن جعفر أخي الحسن العسكري(5).
ـــــــــــــــ
(1) سيرة ابن هشام 2 : 29، وتاريخ المدينة 1 : 172.
(2) 2 / 29.
(3) ص149.
(4) عمدة الأخبار: 171; والدُرّ الثمين: 149.
(5) معالم تاريخ المدينة: 121.
قبر النبيّ هارون (عليه السلام)
يقع هذا القبر على جبل أُحد في الجهة الشمالية الغربية منه، وقد أُحيط ببناء شبيه بالقلعة، له باب رئيسي، ومنفذان صغيران لتسرب ماء المطر منهما، وتوجد فوق القبر كتابات قديمة، وإلى جانبه غرف، وفي الوسط ساحة صغيرة، ويبعد عن قبور شهداء أُحد بحوالي خمسة كيلومترات ومائتي متر، ويسهل الوصول إليه بالسير بمحاذاة جبل أُحد، وهو قبل محطة المهندس للبنزين ـ والتي تقع على طريق الخواجات (غير المسلمين)، وتقابل نهاية جبل أُحد ـ بمسافة تقدّر بأربعمائة متر.
وفي ذلك المكان شِعب يُعرف بشعب هارون(1).
وروى ابن شبه(2) عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: (خرج موسى وهارون حاجَّيْن أو معتمرين، حتى إذا قدما المدينة خافا اليهود، فنزلا أُحداً وهارون مريض، فحفر له موسى قبراً بأُحد وقال: يا أخي أدخل فيه فإنّك ميّت، فدخل فيه، فلمّا دخل قبضه الله، فحثا موسى عليه التراب).
ــــــــــــــــــ
(1) وفاء الوفاء 3 : 920.
(2) تاريخ المدينة المنورة 1 : 85-86.
المهراس
هو نَقْر في جبل أُحد، كان يرشح ماءً، وبعد صعود النبيّ (صلى الله عليه وآله) إليه غُسل عن وجهه الدم والجراح التي لحقت به بسبب إسقاط دابته في الزبية التي حفرها الكفار ـ كما مرّ سابقاً ـ ثمّ نزفت جراحه مرّة أُخرى، فجاءت ابنته فاطمة الزهراء رضي الله عنها وأحرقت قطعة من حصير ثمّ أخذت رمادها وكمّدت بها جراح أبيها (صلى الله عليه وآله) فتوقف الدم(1).
ويبعد المهراس عن قبور شهداء أُحد بمسافة تقدّر بثمانمائة متر، ومكانه شمال مسجد الفسح وأعلى منه قليلا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الدرّ الثمين : 178; وجاء في سيرة ابن هشام 3 : 26 (وغُسل عن وجهه الدم وصب على رأسه وهو يقول: غضب الله على مَن دمى وجه نبيه).
الزبية (الحفرة)
التي سقطت فيها دابة النبيّ (صلى الله عليه وآله) في غزوة أُحد.
تقع هذه الحفرة خلف قبور شهداء أُحد، وتبعد عنها بمائة متر بالاتّجاه إلى الشمال، وهي البقعة الوحيدة التي لم تُسفّل من بين المساحة الواسعة المسفّلة، والتي يمرّ منها المتّجه إلى جبل أُحد.
والزُبية هي المَصْيَدة التي حفرها المشركون في طريق دابّة النبيّ (صلى الله عليه وآله)، وغطّوها بالقَش حتى وقعت فيها دابّته (صلى الله عليه وآله)، ثمّ أصابه عُتبة فجرح شفته السفلى، وكسر رباعيته، ثمّ شجّه ابن قمئة وابن شهاب، فسارع بعض الصحابة ورفعوه منها(1).
وقد كان في مكان هذه الحفرة مسجدٌ صغيرٌ يُسمّى مسجد الثنايا أو قبة الثنايا، وسُمّي بذلك لأنّه كُسرت فيه ثنايا النبي (صلى الله عليه وآله) في غزوة أُحد. وقد تهدّمت القبة وأُزيل المسجد، وبقيت ـ كما هي عليه الآن ـ(2) أرضاً خالية.
ـــــــــــــــــ
(1) سيرة ابن هشام 2 : 21; والدرّ الثمين : 177-178.
(2) تاريخ معالم المدينة المنوّرة : 127.
كهف بني حرام
مكان هذا الكهف على جبل سلع، وهو مَعلَم بارز فيه، يمكن أن يُرى من مكان بعيد، لكن العمائر العالية غطّت أغلب جهاته، وهو في الشمال الغربي من المسجد النبوي، ويبعد عنه بمسافة تقدّر بثمانمائة متر، وهو قريب من مسجد السبق، على يمين المتجه إلى المساجد السبعة، ويمكن الصعود إليه من ممر ضيّق بين عمارة جوهرة المدينة للزائرين والحجاج، وجوهرة أمّ القرى للسفريات الدولية. وبناؤه عثماني، وكان فوقه قبّة صغيرة، ثم أزيلت، وبقي الكهف قائم العين حتى الآن.
وقيل: إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) كان يبيت فيه محروساً أيام غزوة الخندق قبل أن يترك الحراس(1).
وروى الطبراني(2)عن أبي قتادة قال: «خرج معاذ بن جبل لطلب رسول الله ((صلى الله عليه وآله) ) فلم يجده، فطلبه في بيوته فلم يجده، فأتبعه في سكة حتى دُلّ عليه في جبل ثواب (سلع) فخرج حتى رقي جبل ثواب، فنظر يميناً وشمالا فبصر به في الكهف الذي اتخذه الناس إليه طريقاً إلى مسجد الفتح، قال معاذ: فإذا هو ساجد، فهبطتُ من رأس الجبل وهو ساجد فلم يرفع رأسه حتى أسأت به الظن; فظننت أنه قد قُبض، فلما رفع رأسه قلت: يا رسولَ الله! لقد أسأت بك الظن، وظننت أنك قد قُبضت، فقال: جاءني جبريل (عليه السلام) بهذا الموضع فقال: إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقرئك السلام، ويقول لك: ما تحبّ أن أصنع بأمتك، قلت: الله أعلم، فذهب، ثم جاءني فقال: إنّه يقول: لا أسوءك في أمتك، فسجدتُ، فأفضل ما يتقرب به العبد إلى الله السجود».
ــــــــــــــ
(1) الدر الثمين : 232.
(2) المعجم الصغير 2 : 117.
*منقول*