قصيدة رسائل من ماء
" ذات ليلة شتاء ثائرة..وبينما كنت أرقب ثمار السماء وهي تتساقط عليّ غضّة طريّه... ثارت شجوني تجاري عاصفة السماء وإذ بقلمي متقد بيميني يهمس للأوراق بتمتماتي ويكتب للمطر رسائله " :
دُرَرٌ تَكَسَرتْ فَـوق الأرض تَنثُـرُ بعضاً مِــن شَظَايــاهـــــا
قَضَّـتْ طُبولُ الرَّعـد مَضجَعها وضـوء البــَرق أضْنـــاهـــا
وسِياطُ الرّيح تَلسَعُها،تَنثُرُ في فَضـاء الكـَـون أشــْــلاهــــا
والبَرق يَرقُصُ مُبتَهِجاً على جُرحِها النـَازفِ ،فـــأدمـاهــــا
لا شَواطئ السَلام أوصَلَها ،لا ولا فَــوقَ الغَيـم أبـقـاهـــــا
ضَاقت بِحِملها السّماءُ فَراحَت تَلفِـظُ الــدُّر مِـن ثَناياهــــــا
فَهَوَت تُعانِقُ وَجه الأرضِ كدمـوعٍ فَــرَّتْ مِـن مُحيـاهــــا
كفراشةٍ بَديعُ الزَهر طَلعَتها ، حـارتْ لا تَستَــدِّلُ يُمنـاهــــا
رَقراقَة فَرطُ الليِّن دَمعَتهـا ، كنَجمـةٍ طَلّــتْ مِـن أُعَيلاهــــا
أو كَصخرة تَغدو في صَلابَتهــا، إنْ نــابُ البـَـردِ أضْنـاهـــا
مِن فِضّةٍ رَبُّ الكَون شَكَلَها،سُبحانَهُ مِن إلهٍ كيفَ سَوّاهــــا
في حِضنِها كُلّ الوِّدِ تَجمَعُه،فإذا بالكونِ كُلّ الكون يَهواهــا
إنْ غابَتْ أقَضَّ الحَرُّ مَضجَعنا ، فتَهفو إليها الروح لِتلقاهـا
سِّرُ الوجودِ يَسكنُ بَين كَفيها،فإذا بالعُمر يَغدو مِلك يُمناهـا
إنّا بِرَغمِ العاصِفِ المَجنون ،بِرَغمِ هَديرِ الرَّعـدِ نَهـواهــــا
ما سِرّ ذاكَ الهَوى الذي أعيا القلـوب مِنّــا ، ثـُمّ أشفاهـــا؟
سُبحانَ مَن أحيا النُفوس بِطلعتها،سُبحانـَه، كيفَ أحياهــا؟!.
(2)
مـَـدَّتْ أنامِلَهـا عَبر زُجاج نافذتيْ يُحَطِّـمُ جُنونهـا أيـكــيْ
قِطَـعُ لُجَيـنٍ فَـرَّتْ مِـن مَكامِنِهـا ، مِـن فَرط شَوقهـا تَبكـي
رسائـلٌ حِبـرها مـاء جـاءت إلــيَّ تَبُثّنـيْ أشواقهـا تَحكــي
زائـرتـي! لِمَـنْ تَشكـي؟فليسَـت روحـي تَسكُنني ولا مِـلكي
لِمـا ضاقَـت بِـكِ الدُّنيـا ورَمَـتْ بِــكِ الأقــدارُ فــي شَبـَكــي؟؟
لا تُغـريـكِ مَـوقدتـيْ ، ولا دِفئـيْ ، ولا الحـانـيْ تُغــريــكِ
فبَحـرُ الهَـمِّ أغـرَقَنـي،ولا أدريْ مَتـى سَيعـودُ ليْ ضَحكيِ
دَعينـي أُصـارِعُ الأشـواقَ وابتَعِـدي لِئَـلاّ يَطـالكِ شَـوكــي؛
فَـلَـنْ أغـدوْ سَديمـاً عالِقـاً فـي الكَـون طَليقـاً حتى أتبَعُـــكِ
ولكنّـي ! إلـى الأعمــاقِ مَشـدودأً ، بَيــنَ الـوَهم والشَّــكِ
(3)
فَجّــريْ حَنيـن الأرض للمــاءِ ، يـا كُـــلّ هاتيــكَ الـــدُّرَرْ
مــن لَهيـبِ البَــرق أضيئـيْ عُنـوةً ،عَتمَـة الليّــل الأغَـــرّ
وابــرقـي عَبـر الأثيـرِ؛ إغسِلـي الأرضَ بـأضـواءِ الـقَمـر
وانثُـري الـدُنيـا جَمـالاً ،أنْبِتـي الأشجـارَ وطـاقـات الـزّهـر
هَندسـيْ الكـون املَئيهِ بأحلـى ....أحلـي أشكـالِ الصُّـوَر
عـانِقـيْ التُـربَ الضَمـيءِ ، وارصِفيـهِ بأحجـارِ العَــقيــق
واستِمـري رِحلـة الخيـرِ تِبـاعـاً عـانِقـي الـوادي العَمـيـق
أُرقـدي حَيـثُ اتجهـتِ ،ادحَــريْ عَتـمَـةَ الليـّـّل السَحيـق
بِكثيـرٍ مِنـكِ يَغـدو ، كـُــل شـيءٍ أخضَـرَاً حُلـــواً يَـليــــق
وإذا الـدُنيـا جَفـافٌ ؛بقليـلٍ مِنــكِ،وحَـريــقٌ فــي حَـريـــق
حينَهـا لا مــالَ يُجـديْ ،لا ولا يُجــدي حَبيبـاً أوصَـديـــق
أدِمِ اللهُـمّ نِعمــاكَ عَلينـا،أغِــثِ اللهــُمَّ مَكـروبــاً غَــريـق
يَـرتَجــيْ مِنــكَ نَجــاةً ، لَــمْ يَجِــدْ إلاّكَ رَحيمـاً أوشَفيـــق.