حوارات موتى
بعد ان ودعت النهار..وانا ماض الى بيتي..حيث اصاب البرد كل اجزاء جسمي..ماعدا يدي اليمنى حيث كانت تمسك كيس الخبز الدافئ..وكنت بين الحين والاخر اتناول الجزء المتخشن من الارغفه لانني احبه..وكان يملأ جوفي بالدفئ..بينما كنت سائرا في الضلام وعلى الرصيف..سمعت صوت غريب..جعل دقات قلبي تضطرب..كان الصوت لطفل لابل طفله ..بحثت عن مصدر الصوت بأذناي لاني لاأرى شيئا من شدة الضلام..دققت في الصوت..كأنه همهمة الموت في ساحات الصبر..ثم حاولت التكلم.. لكن لساني مثكل بالخوف..ثم سمعت طورا كان في وقتها غريبا.. كانت الطفله تغني لنفسها كي تنام في وسط البرد القاتم..دللول الولد يبني دللول..كنت خائفا..فالوقت في زمنها مرعب اذ لايخرج فيه سوى الحمام..ثم حشدت حماستي.. وحمزت قلبي.. وأسفحت جسمي على الارض.. ثم نطقت بهدوء:من هناك؟!.. اجابتني وهي مرتعبه : انا من رأيت الجونة الحالكه.. انا من ازدراني الحليف..قلت لها: من انت ياصغيره؟ قالت: انا ابنة الرحيل.. ثم قلت لها بلطف: ماهو اسمك؟ اجابتني بصوت كدت لا أسمعه: انجبني الرحيل..سألتها لم أنت هنا؟ اجابتني بسؤال: هل أشم رائحة خبز؟ هل انت علي هذا الزمان؟ غضبت من سماع هذا الاسم وحاولت الانصراف ولكن قدماي التصقتا بالارض..ثم سمعنا صوت الرصاص يعتلي ويقترب..فنحن نعيش حقبه طويله في صراع مع العدو الصهيوني..وبدأت بالركض ولما وصلت مسافة ليست بقليله لم اسمع صوت اقدام الطفله..رجعت كي اخذها.. وعندما وصلت اتضحت الرؤيه بسبب اضواء الانفجارات..كانت الطفله جميله جدا كانت وجنتها ناصعة البياض ابيض من الكفن الذي نرتديه كل يوم.. عيناها كأنها كوكب دري..لكني لم المح شعرها لأنها ترتدي الحجاب.. ورغم اندلاع الحرب كانت تقول: اللهم ان كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى..ثم احتضنتها وحملتها على صدري المكلل بهموم الاستيطان..وركضت نحو بيتي الفقير..ولما وصلت كانت الساعه الواحده بعد منتصف الليل..وجدت الطفله نائمه وعندما انزلتها على الفراش استيقضت وقالت:لم أشعر بشبه هذا الحنان طيلة حياتي!! ثم نامت وكأنها حمامة الغار..كنت وحيدا في منزلي..ابني يملك من سنينه عشرة اعوام لكنه بعيد عني .. لاأعلم في اي ظلمة هو .. امازوجتي فقد استشهدت عند ذهابها الى الكنيسه فهي مسيحيه ..عائلتي غريبه فأنا مسلم سني وأمرأتي مسيحيه وابني صابئي.. كل منا يحاول الحفاظ على اصالة مذهبيته..لكن كنا نحب بعضنا البعض.. ولم نكن نكره احد.. وكنا كالجسم الواحد والان انا في الدنيا هنا في فلسطين وزوجتي في الاخره وولدي لاأعلم في أي حياة هو..وفي الصباح دخلت قوات الاحتلال في الزقاق الذي نسكن فيه.. وسمعنا صوت رصاصة فخرجنا انا والطفله وبعض اهالي الزقاق الذين لم يتركوا بيوتهم لعصابات الجبن.. وعندما وصلنا الى موقع الصوت.. منظر مريب .. ليس عليهم بغريب .. حادث مروع قتلوا الشيخ اباحبيب .. ابوحبيب رجل كان عندي كالطبيب .. كل حزن كان يجليه عني.. كان يرمي قدميه على خنادق الصفوف .. ويرمي رأسه على اسفل الارض سجودا لله تعالى.. انتفض الجميع لمقتل اباحبيب..وبدت اعلام الخوف في وجوه اليهود ترتفع.. نطقت الطفلة كلمات لم نقرأ عنها حتى في المعجزان..قالت: يامعشر ضرابين النساء.. الافيكم من به در الحياء.. اولاتملك ابصاركم بعض الدموع .. أومالكم شيخ يواري دربكم نور الشموع .. ام لكم في طيفكم لون الدماء.. الرحيل بلاسماء.. اجتهاد في كل يوم له فناء..ثم التفتت الطفلة صوبنا وقالت: أتريدون النصر بلاشهاده .. أم لكل الساكتون على الخوف قلاده ؟ أين فرسان الاراده.. إن اردتم نصركم فالسبط جاده.. اولاتتعلمون من الحسين اسرار القياده..
بدأ العدو اليهودي يحشد سلاحه باتجاهنا.. احسسنا بالذعر.. ولكننا واقفون..هدوء وهدوء.. صعدت الطفلة على حجر وقالت : ياجمعنا اعلموا انني طفلة من العراق.. اختارني الزمن كي أكون درسا في فلسطين.. وبليلة بيضاء جئت هنا الجوع واليتم في كل مكان وزمان .. تعلمت من زينب عليها السلام أن أكون بلا أنا من أجلكم .. اسمعوا صوت التوحد.. وابصروا نور علي والحسين.. أتريدون النجاة تالله انهم سفن النجاة.. والحياة رمزها دوما قرابين الممات.. فبها انصتوا وأجروا يابحر الحرية في فيض عابس والعباس.. ثم بدأ العدو يطلق النار علينا.. قتلوا العديد والبعض كان يردد شعارات عرفتها الارض وشبعت وامتلأت احشاءها منها.. الطفلة كانت تردد في عمق عطفها تواليا مع الدموع.. اللهم قد عضم البلاء.. وضاقت بنا كل الاراضي والسماء.. ركضت نحو الطفله حملتها وحاولت الهرب لكن القناص اليهودي اصابني بقدمي الراجفه..فسقطت على الارض.. الطفلة انتفظت لإصابتي ولكن الجبان اطلق صفارة الموت عليها فسقطت على ظهري وقالت بإشتياق فداك ياأرض العروبة والرجال..ثم قالت لي ألقاكم في الجنان مع اهل الود والحنان.. ثم غبت عن الوعي وانتقلت الى هنا الى عالمكم عالم الاموات